Go Back Go Back
Go Back Go Back

السعي وراء الحلم وسط التحديات الصعبة: قصة نادية

السعي وراء الحلم وسط التحديات الصعبة: قصة نادية

News

السعي وراء الحلم وسط التحديات الصعبة: قصة نادية

calendar_today 04 نوفمبر 2024

امرأة تسير في مخيم الهول، حيث يلتقي الصمود بتحديات الحياة اليومية.
امرأة تسير في مخيم الهول، حيث يلتقي الصمود بتحديات الحياة اليومية.

اناشيد الصمود

"لطالما أحببت الغناء منذ طفولتي"، تقول نادية، الفتاة ذات الأربعة والعشرين عامًا، التي تقيم في أحد المخيمات الواقعة شمال شرق سوريا. "الغناء هو صوت روحي، وهو وسيلتي للتعبير عن أحاسيسي وأفكاري."

منذ عام 2019، بات مخيم اللاجئين المترامي الأطراف موطنًا لنادية، حيث تزامن وصولها مع أسرة زوجها. يجد سكان هذا المخيم أنفسهم محاصرين بتحديات لا حصر لها من قسوة الحياة الصحراوية إلى شح الكهرباء والمياه النظيفة، ناهيك عن الفقر وندرة فرص العمل. ورغم أن هذه الظروف والصعاب أوقفت نادية عن الغناء لفترة، إلا أن افتتاح مساحة آمنة للنساء والفتيات في الجوار أضاء بصيصًا من الأمل في حياتها.

امرأة تتلقى الدعم والمساعدة الحيوية في مخيم الهول، لتجد الأمل وسط المعاناة.
امرأة تتلقى الدعم والمساعدة الحيوية في مخيم الهول، لتجد الأمل وسط المعاناة.

 

طفولة في ظلال المآسي

بدأت رحلة نادية مع الغناء والموسيقى وهي لم تتجاوز السادسة من عمرها، إثر وفاة والدها المفاجئة. كان الغناء ملاذًا لها من الألم، ووسيلة للتغلب على مشاعر الحزن العميقة التي اجتاحتها. ومع تزايد الضغوط، وجدت في الأغاني تلك السكينة التي كانت تبحث عنها.

وبعد ثلاث سنوات من رحيل والدها، تلقت نادية وأشقاؤها ضربة أخرى قاسية عندما اختُطفت والدتهم في العراق، لتُنتزع منهم آخر ما تبقى لهم من شعور بالأمان والسند والحب.

"اضطررت إلى ترك المدرسة هربًا من الوصمة والتنمر الذي كنت أتعرض له من زملائي"، تقول نادية بصوت مشحون بالألم. وفي الرابعة عشرة، وجدت نفسها عروسًا، وبعد عامين فقط، أصبحت أمًا. وتضيف بأسى: "كان الزواج بقرار من جديَّ، وليس قراري. لو كان والداي على قيد الحياة لما سمحا بذلك. لقد كانا يرغبان في أن أواصل دراستي."

اليوم، نادية أم لطفلين، يبلغان من العمر ثماني وست سنوات.

قوة الإيمان بالنفس

رغم أن تعليم نادية النظامي انقطع قبل أن يكتمل، لم ينطفئ شغفها بالمعرفة. فقررت أن تعلم نفسها بنفسها، وعملت على تحسين مهاراتها في القراءة والكتابة بعزيمة لا تلين وإصرار لا يتزعزع.

تقول نادية بفخر: "كنت أقضي معظم وقتي في المنزل أقرأ كل ما يتوفر لي من كتب لتطوير مهاراتي الأكاديمية. لهذا أستطيع الآن القراءة والكتابة."

على مدار شهور، تلقت نادية دعمًا نفسيًا واجتماعيًا، وخدمات إدارة الحالات، وشاركت في دورات لتعلم اللغة الإنجليزية والخياطة. "ساعدني الدعم الذي تلقيته على استعادة توازني النفسي واكتشاف ذاتي من جديد"، تقول نادية بابتسامة مليئة بالثقة. "استعدت ثقتي بنفسي، وعدت لممارسة الأنشطة التي أحبها، وعلى رأسها الغناء."

أضاءت هذه المعرفة المكتسبة شغفًا جديدًا لديها بالأدب والثقافة. تقول نادية: "القراءة زادت من معرفتي وقوة شخصيتي." هذه القوة الداخلية كانت بمثابة وقود دافع لها للإصرار على الغناء، رغم المعارضة التي تواجهها في مجتمع المخيم.

تدرك نادية جيدًا التحديات التي تواجهها. وبينما ترفض الدخول في صراع مباشر مع العناصر الأكثر تشددًا في المخيم، فإنها تظل متمسكة بحلمها بأن تصبح مغنية.

تقول نادية بثقة هادئة: "بعض النساء والفتيات اللواتي يزرن خيمتي يعتقدن أن الغناء حرام. لقد هددن بمقاطعتي إن لم أتوقف." وتضيف: "لذلك أغني بصوت منخفض في خيمتي، حتى لا يسمعني الجيران."

منذ مطلع عام 2024، استفادت 530 امرأة مثل نادية من الدعم النفسي الاجتماعي الفردي والجماعي، بينما شاركت أكثر من 600 امرأة في دورات التدريب المهني ودورات متخصصة في المهارات الحياتية.

الرحلة نحو تحقيق الحلم

رغم كل الصعاب والتحديات، لم تتخلّ نادية عن حلمها. بدأت بتدوين الأغاني والتدريب عليها في خيمتها، مما ساعدها على تنمية مهاراتها الصوتية والأدائية. تتخيل نفسها يومًا ما وهي تغني على خشبة المسرح أمام جمهور كبير. في الواقع، دفعها شغفها إلى التواصل مع القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية.

تقول نادية بفخر: "بعد محاولات رفض متعددة، نجحت أخيرًا في المشاركة في برنامجين إذاعيين، حيث شاركت أغنياتي وقصتي مع المستمعين." وأما حلمها الأكبر؟ أن تصبح مغنية مشهورة على مستوى العالم.

يلعب صندوق الأمم المتحدة للسكان دورًا حيويًا في هذا المخيم، حيث يدير أربع مساحات آمنة للنساء والفتيات، بالإضافة إلى عيادة للأمومة. وتقدم هذه المرافق خدمات الصحة الإنجابية الأساسية، والدعم للناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلًا عن رعاية ما قبل الولادة وما بعدها، وتنظيم الأسرة، والدعم النفسي والاجتماعي، وغيرها.

منذ بداية عام 2024، استفاد نحو 19,000 شخص من هذه الخدمات في المخيم الذي يأوي حوالي 40,000 لاجئ ونازح داخليًا.

إن قصة نادية تجسد روح الصمود الإنساني، وتبرهن على قدرة الدعم والتعليم على تغيير حياة الإنسان حتى في أحلك الظروف.