أنت هنا

عشر سنوات على معاناة النساء والفتيات في سوريا

بقلم الدكتور لؤي شبانة

المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية

 

تنهي الأزمة السورية عشريتها الأولى ولا يلوح في الأفق أي بصيص أمل لوقف النزيف والمعاناة. وتزداد الظروف الصحية والاجتماعية والاقتصادية خطورة ومأساوية لملايين النساء والفتيات السوريات. ولم يعد السكوت وانعدام الإرادة الحقيقية لوقف ما يتعرضن له محتملا. وجاءت جائحة كوفيد-19 لتزيد من حجم الألم وتضيف تعقيدا وصعوبات للحالة اللا إنسانية التي أجبرن على عيشها سواء لاجئات أو مشردات داخليا أو في وطنهن غير قادرات على الحصول على أدنى مستوى ممكن من الخدمات لضمان سلامتهن وقدرتهن على العيش الكريم.

 يذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان مجددا العالم بمخاطر التراخي عن دعم احتياجات النساء والفتيات السوريات في سوريا والمجتمعات المضيفة في البلدان المجاورة.

يوجد في سوريا حاليًا 13.4 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية إضافة ل13 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة، ويوجد 5.5 مليون لاجئ سوري يقيمون في البلدان المضيفة. و يقدر أن أكثر من 7 ملايين امرأة وفتاة في سن الإنجاب وما يقرب من نصف مليون حامل في سوريا وفي المنطقة في أمس الحاجة لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية عالية الجودة.

وقد عاظمت جائحة كوفيد-19 من معاناة النساء والفتيات حيث سجلت زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي وخاصة عنف الشريك الحميم وزواج الأطفال والزواج القسري وحالات الحمل غير المقصودة والعنف والاستغلال الجنسيين. لم يمكن القبول بأن تتحمل الخدمات المنقذة للحياة الموجهة للنساء والفتيات التبعات المؤلمة لتحويل الموارد المتاحة لمواجهة كوفيد-19.

نحن في صندوق الأمم المتحدة للسكان نسارع الخطى ونسابق الزمن لتقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية المنقذة للحياة، وقد وصلنا بهذه الخدمات إلى ما يقرب من مليوني شخص عام 2020، واستفاد نحو 1.2 مليون شخص خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي. في جميع أنحاء المنطقة ، وقدمنا في العام ذاته دعما ل 112 مكانًا آمنًا للنساء والفتيات و 17 مركزًا للشباب و33 مرفقًا لرعاية التوليد في حالات الطوارئ و133 مركزًا للرعاية الصحية الأولية، و 125 عيادة متنقلة.

 ويبين تحليل اتجاهات خدمات صندوق الأمم المتحدة للسكان تمكنه من توسيع نطاق خدماته ومضاعفة عدد الأشخاص الذين تم الوصول إليهم خلال السنوات الخمس الماضية. لكن استمرار النزاع واللجوء والنزوح وتفشي جائحة كوفيد-19 وتعمق الأزمة الاقتصادية الخانقة والتدهور الكبير في القدرة الشرائية للسوريين مع عدم كفاية التمويل اللازم يهدد قدرتنا على مواصلة إنقاذ الأرواح وحماية النساء والفتيات وتلبية احتياجاتهن الصحة العاجلة.

لقد وجه صندوق الأمم المتحدة للسكان نداء لتقديم ما مجموعه 131.6 مليون دولار لتمويل استجابته الإقليمية للأزمة السورية ونطالب بسرعة تلبية هذه الاحتياجات العاجلة. لا يمكن للنساء الحوامل انتظار خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة، ولا يمكن ترك الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال الجنسي بلا حماية ومساندة.

في الذكرة العاشرة لاندلاع الأزمة السورية أدق ناقوس الخطر الناجم عن عدم القيام بما يجب القيام به. هذا تذكير صارخ بالضرورة القصوى لدعم الاحتياجات الحالية والناشئة ومد يد العون للسوريين ووقف الخيارات البائسة التي يجبرون على اتخاذها عبر تزويج الفتيات المراهقات وحرمانهن من التعليم ليقعن في شرك العنف والاستغلال ودائرة الفقر التي تزداد اتساعا وقسوة.

وفي المحافظات الشمالية الغربية من سوريا ، لا يزال الوضع شديد الخطورة ، مع استمرار الأعمال العدائية التي تسببت في نزوح جماعي وتعطيل الشبكات والخدمات المجتمعية. وتعتبر الأماكن الآمنة للنساء والفتيات شريان حياة لهن بشكل عام والناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي على وجه الخصوص من خلال الخدمات المنقذة للحياة والحرجة للغاية. وتشكل تدخلات صندوق الامم المتحدة للسكان عبر الحدود مع تركيا الوسيلة الوحيدة المتاحة لإيصال المساعدات إلى المحتاجين.

ويقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتجربة المساعدة النقدية والقسائم حيث يمكن أن يساعد في ضمان عدم تخلف أحد عن الركب ، ولا سيما النساء والفتيات، والعمل مع الشركاء والسلطات المحلية بما في ذلك الشبكات النسائية والعيادات الصحية والعاملين الصحيين ففي الأردن، يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بتجريب الأموال النقدية في إدارة حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي ، وفي مصر ، يكمل صندوق الأمم المتحدة للسكان المساعدة النقدية التي تقدمها المفوضية للاجئين من خلال توسيع نطاق التغطية لتشمل النساء والفتيات الأكبر سناً المعرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي والناجيات منه. وفي سوريا ، واستجابةً لملاحظات النساء حول حاجتهن يعتمد صندوق الأمم المتحدة للسكان على خطة القسائم الحالية لبرنامج الأغذية العالمي من خلال توفير مبلغ إضافي لهذه العناصر وربطها بـ الإحالة إلى خدمات الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي وتوفيرها.

وفي شمال غرب سوريا ، في عام 2020 ، قدم صندوق الأمم المتحدة للسكان مساعدات نقدية غير مشروطة وغير مقيدة للسكان النازحين لتلبية احتياجاتهم العاجلة المتعلقة بالحماية.

يواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان أيضًا التركيز على المرونة والإدماج الاجتماعي من خلال تكييف البرامج والخدمات باستمرار للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الشرائح المعرضة للخطر.

بعد 10 سنوات على الأزمة في سوريا، لا زالت النساء والفتيات السوريات يقدمن التضحية الأكبر ويتحملن المعاناة الأكثر، لكنهن يجدن بالعطاء الأجزل في سبيل إبقاء النسيج الاجتماعي قائماً، آن الأوان لنرفع الصوت عالياً، كفى لهذه المعاناة، لنسرع الجهود ونبذل ما هو أكثر لدعم النساء والفتيات في سوريا.